هل من عودة؟
♦ الملخص:
فتاة ملتزمة، عرَفت شابًّا متزوجًا على الإنترنت، تطور الحديث بينهما إلى الفحش، ثم طلب منها صورًا غير لائقة، فرفضت، فقطع علاقته بها، وهي الآن تعيش ندمًا وعذابًا؛ لأنها دخلت في علاقة محرمة، ولم تقطع هي طَرْفَها، وتسأل: هل من عودة لِما كانت عليه؟
♦ تفاصيل السؤال:
هذه الرسالة على لسان صديقتي:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
بعد أن أُغلقتْ كافةُ الأبوابِ في وجهي، وبعد أن عجَزتُ عن استيعاب أية نصائحَ، وبعد أن احترقت دواخلي همًّا وغمًّا وكَمَدًا، ومن التفكير المفرط الذي ضاعف كآبتي وحزني – قررتُ طلبَ مشورتِكم؛ لتنظروا فيها، ولترشدوني إلى الحل؛ لأنني أوشكت على الجنون بكل ما تحمله الكلمة من معنًى، أنا إنسانة طول عمري ملتزمة، وأضع حدودًا في تعاملي مع الشباب، لكن مؤخرًا تعرفت على شابٍّ من خلال الإنترنت، ودون مُبرِّرٍ تطور الحديث بيننا إلى غَزَلٍ وكلامٍ فاحش، وحديثٍ في مواضيعَ جريئةٍ، وكلما قررتُ التوقفَ، تماديتُ أكثرَ، والمصيبة أنه متزوج، كنتُ دائمًا أشعر بالذنب في أعماقي، لكن واصلت الحديث رغم ذلك، وذات يوم طلب صورًا وأشياءَ غير طبيعية، فرفضتُ بشكل قاطع، فقام بحظري، وأنا الآن حزينة، ويمزِّقني الندم وعذاب الضمير؛ لأنني وافقت على الحديث معه منذ البداية، ولم أضع حدودًا، وفي الوقت نفسه لم أتخذ أنا مبادرةَ قطع الحديث، ولأنني خسرته أبدًا؛ لأنني كنت أتمنى – رغم ذلك – أن نظَلَّ أصدقاءَ فقط، وأن يحْفَظَ كلُّ شخص حدوده، أنا اليوم أشعر بالعار والندم، وكل يوم تراودني أفكارٌ بتذكُّرِ الماضي والحنين لتلك الأيام، قبل ارتكاب هذا الذنب، حتى تحوَّل الأمر إلى أمنيات قهرية، صديقتي نصحتني بعدم تضخيم الأمر إلى درجة المرض، والعزم على عدم العودة إليه، لكنني لا أستطيع، فكل دقيقة وكل ثانية أستشعر فيها جسامةَ ما فعلتُ، حتى إن الله لو غفر لي، فلن أغفر ولن أسامح نفسي، كيف أنسى وأبدأ من جديد؟ هل سيسامحني الله على ما فعلتُ؟ هل القرب من الله سيُنسيني ما حدث؟ هل سأستطيع مواصلة حياتي بعد التوبة كأنَّ شيئًا لم يحصُل؟ هل سأستطيع التعايُشَ مع خسارة هذا الشخص، ومع مشاعر الندم على أننا لم نبقَ أصدقاء؟ هل سأتخلص من الأفكار الوسواسية بالرغبة في العودة للماضي قبل ارتكاب الذنب، والحنين لتلك الأيام، وراحة البال والسلام الداخلي؟ أنقذوني، فأنا أموت كلَّ يوم بسبب ما حصل، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة خير قدوة للناس؛ أما بعد:
فعزيزتي، شفى الله قلبكِ، وأذاقكِ بَرَدَ التوبةِ والرضا واليقين في رحمته وكرمه سبحانه.
دعيني أُصارحكِ بأنكِ لستِ في مشكلة حقيقية، رغم كل الآلام التي تحيط بكِ، ولكنكِ تتعرضين لسهام الضمير التي تغزو قلبكِ، وحِرابِ الذنب التي تهاجم روحكِ، هذه مشكلتكِ الحقيقية، وهي هيِّنة بإذن الله على مَن كان له قلبٌ وألقى السمع لنداء ربه، وهو شهيد على نفسه.
أول أبواب الراحة المنشودة هو صدقُ التوبة لله الواحد، واعلمي أن المرأة إذا وقعت في حبِّ أحدٍ غير زوجها، فما هي إلا فريسةٌ يشبع منها الصياد، ثم يُلقي بها في الطرقات غير عابئ، بل مستريح الضمير؛ لأنه يلقي العبء واللوم كله على المرأة، وبصراحة أنا أيضًا أُلقي اللوم على المرأة، وألف مرة نقول: الفضفضة بين الجنسين بابُ شرٍّ، وفضفضة المرأة للأجنبي أيًّا كان نوع الحوار تصريحٌ واضح للأجنبي بالسطو عليها (حضرة المنقذ الذي لا يُشَقُّ له غبار).
عزيزتي:
معاناتكِ الآن ليست شعورًا بالذنب فقط، بل قلبكِ يتآكل؛ لأنكِ شعرت بأنكِ مرفوضة، وهذا طبيعي، فأنتِ تماديتِ مع رجل متزوج، يتخذكِ مجرد مُنشِّط لعاطفته تجاه زوجِه، وعندما لم يفُزْ منكِ بما خطط لسرقته، ألقى بكِ!
حزنكِ الآن مجرد مرحلة، وسوف تَمرُّ كما مرت سَكْرَةُ الحبِّ المزعوم، والحب منكم بَرَاء، كما كنتِ مرحلة في حياته أراد من خلاها أن يثبت لنفسه أنه ما زال محبوبًا وجاذبًا، بعد فترة زواج ليست بالقليلة، واستعاد ثقته بنفسه، ونشوتَه بشبابِه، وترككِ حُطامًا، اجعليه أنتِ أيضًا مرحلة سوداءَ من حياتكِ ومرَّت، واحمَدي الله أنها مرت بهذا القدر من الخسائر؛ فالمعاناة على قدر التعلق، إنَّ الله يَغَارُ على قلب العبد أن يتعلق بغير خالقه.
وحتى تكون التوبة نصوحًا، أغلقي جميع حساباتكِ على مواقع التواصل، وغيِّري رقم هاتفكِ، واجعلي اللهَ رقيبكِ لا غيره، وواضحٌ من رسالتكِ أنكِ على قدر من الدين والحمد لله، ولا عصمةَ لأحد مهما كان.
ولكي تثبُتي، التزمي بنافلة تكون محببة إلى نفسكِ، ولا تقطعيها أبدًا مهما حدث (قراءة قرآن، صدقة، ذِكر …).
وتذكري قول المولى عز وجل: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، بعدها ستهدأ نفسكِ، ويتيقَّظ عقلكِ، وستفكرين بهدوء.
واعلمي أن العدل لا بد واقع، فأنتِ ربما تسببتِ لزوجته في ضِعفِ هذا العذاب الذي تعانين منه.
ثانيًا: اشغلي نفسكِ بعلم تطلبينه، أو عملٍ مناسب يشغلكِ، ويعوض الفراغ ونقص العاطفة الذي يملأ نفسكِ، حتى يرزقكِ الله زوجًا صالحًا.
تنازلي عن بعض الماديات، ووافقي على أول خاطب مناسب، بدلًا من هذا الشتات والانزلاق.
تعليقات الفيس بوك