أبي جعلني شخصية ضعيفة

السؤال:

الملخص:

شابٌّ يشعر أن ما هو فيه من ضعف وسلبية سببُه تربية أبيه له؛ إذ لم يكن لديه الوعي الكافي لتوجيهه ومساعدته كي يبني مستقبله، وقد جعله ذلك لا يسير في الحياة بشكل طبيعي من حيث الزواج والترقي الوظيفي، ويسأل: ما النصيحة؟

 

التفاصيل:

أنا شابٌّ في أول الثلاثينيات، والحمد لله ملتزم في صلاتي وعباداتي، وأخلاقي وتعاملي مع الآخرين، أحسبني كذلك، ولا أزكي نفسي على الله، أعمل في الصيدلة في مستشفى، مشكلتي الرئيسية أنني أرى نفسي ضحيةَ إهمالِ أبي لدوره التربوي، وعنفه في تعامله مع والدتي ومعي ومع إخوتي أثناء طفولتنا، وانشغاله بأشياءَ تافهة، بدلًا من متابعتي خلال نشأتي ومراهقتي، وقد جعل ذلك شخصيتي انعزاليةً، وسلبية، وضعيفة، وجعلني لا أُحسِن التواصل الطبيعي التلقائي مع الناس، ولا أستطيع أن أعبِّرَ عن رأيي وأفكاري واختياراتي، ولا أحسن التعبير عن الأمور التي تضايقني تجاه الآخرين أو معاتبتهم بأسلوب مهذَّب، وأخاف من المطالبة بحقوقي، ومن نتائج ذلك تأخُّري عن الزواج وقصور قدرتي المادية، أشعر دائمًا أن أبي هو الملوم الرئيسي؛ لأنه لم يساعدني أو يشغل باله بأمر زواجي أو مستقبلي، كان همُّه إرضاء حاجاته من الطعام والشراب والتدخين، وادخار مكافأة نهاية خدمته على هيئة شهادات بنكية، وقضاء وقته على شبكة التواصل الاجتماعي، والمشكلة الكبرى أنه الآن مريض وضعيف البنية مع كِبَرِ سنِّه، فلا أستطيع مواجهته بكل تلك المشاعر والطاقة السلبية التي تراكمت بداخلي طوال سنوات، أُحدِّث نفسي بأن أسامحه؛ فقد يكون فَعَلَ ما استطاع، وربما هو معذور بسبب ظروف طفولته، وأنه يجب عليَّ أن أمْضِيَ في حياتي وأحاول إصلاح ما أفْسَدَ، ولكن أجدني فاترَ الهِمَّة، منعزلًا في بيئة عملي، ومتخلفًا عن زملائي في إجادة العمل والتطور فيه، لا أستغل الفرص المتاحة لإثبات كفاءتي، وأحيانًا تراودني نفسي في ترك هذا العمل، والبحث عن عمل أقل صعوبة، كل هذه المشاكل النفسية تعوقني عن الحياة بشكل طبيعي، والتقدم فيها بأخذ خطوات؛ مثل: الزواج، والترقِّي الوظيفي، وتحسين مستواي الاجتماعي، كيف أتغلب على هذا المشاكل النفسية، وأعيش بشكل سويٍّ، فلا أظلم نفسي أو زوجتي وأولادي مستقبلًا؟ وجزاكم الله خيرًا.

متعلق:  أهلي يؤذونني
الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:

فحياكم الله أخي الكريم، وأسأل الله لنا ولكم صلاح الحال، أريدك أن تتخلص من الماضي، وأن تعلم جيدًا أن الآباء قد يكون لهم سلبيات أثناء تربيتهم لأولادهم، وتكاد لا تخلو أسرة من هذا، فما وفَّق الله فيه الوالد، فجزاه الله خيرًا، وما قصر فيه لعل له عذر كما تفضَّلتَ؛ لذلك لا أرى أن العتاب الآن وبعدما كبِرت سنُّه سيحل الأمر، وإن كان أحْسَنَ أكثرَ مما أساء، فالعفو عما وقع فيه من تقصير أولى.

 

هذه صفحة لا بد أن تُغلَق؛ لأن بقاءها مفتوحة ستنغِّص عليك، وستجعلك تكثر التفكير، وتكثر اللوم على أبيك أكثر وأكثر، وكل هذا يؤدي للضغينة ولا داعي له.

 

وحينما تتزوج ويرزقك الله الأولاد، سيرَون منك بعض الأخطاء، فماذا تحب حينها أن يتعاملوا معك؟ ستتمنى أن لو نُسيت وما كانت، فعفا الله عما سلف، ولننظر الآن إلى المشكلة الحالية، سائلين الله العون على حلها، أرى أنك أخذتَ خطوات طيبة جدًّا للحل، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، لكن مع هذا، فلا بد من أمور:

الأول: استشعار ما أنعم الله به عليك، وكذلك استشعار ما تجيده، فلو أتيتَ بورقة، وكتبت فيها ما تستطيع فعله، وما تستطيع إنجازه، وكل ما لديك من هوايات، فهذا يعطيك دفعة لأن تشعر بذاتك، وأن تثق في نفسك.

 

الثاني: أنصحك بالمداومة على القراءة، لا سيما الكتب التي تساعد في الارتقاء بالنفس، فهي مفيدة جدًّا، وبادر بتطبيق ما تقرأ حتى يكون النفع أكبر.

 

الثالث: مجاهدة النفس على عدم العزلة، ولا بد من ذلك؛ بمعنى أنك اعتدت على العزلة، وتقول: إنك لا تستطيع التعبير عن رأيك وأفكارك، ولا تُحسِن التعبير عما يضايقك، فهلا جرَّبت أن تكسر حاجز العزلة، وكل ما وصفتَ به نفسك من ضعف وسلبية، وغير ذلك، وتختلط بالناس، كثرةُ الخلطة ستكسبك مهارات كثيرة في التواصل والتعامل، أما الإحجام عن ذلك، فسيبقيك في دائرة العزلة ولوم نفسك، أو إلقاء اللوم على غيرك؛ فبادر شيئًا فشيئًا، ولا تستجِبْ لتلك الوسواس التي بذهنك، واكسِرْ حاجز الرهبة، وتعلَّم مِن خبراتِ مَن حولك.

متعلق:  عرفت حقيقته قبل الزواج

 

الرابع: لو أنك استعنتَ بمعالجٍ نفسي ثقة تُتابع معه سَيْرَ يومك وأخبارك؛ ليكون لك مرشدًا فيما تفعل فهي خطوة طيبة جدًّا، فأنت لا تحتاج للأدوية النفسية، لكن للعلاج المعرفي السلوكي.

 

بالنسبة للعمل وتفكيرك في البحث عن عمل أقل صعوبة، فهذا لا ينبغي أبدًا، بل لا بد من التأقلم مع الصعاب، فأنت الآن كيف تخرجت من هذه الجامعة ووصلت لهذه المهنة؟ بالطبع قابلتك صِعابٌ، ومع ذلك واجهتَها وأكملت سيرك، وطبيعي أننا في حياتنا لا بد لنا من مقابلة الصعاب على كافة الأحوال، فليس الهروب حلًّا بل استَعِنْ بالله ولا تعجِز، أما إن أدمنتَ الهروب، فلن يتم لك أمر، فجاهِد نفسك وواجه الصعاب ولا تخَفْ، فكل هذه الصعاب هي التي تصقُل الإنسان، فالارتقاء في العمل والتطور يحتاج إلى جهدٍ وعزمٍ وصبر، أما من يتهيب الصعاب، فسيبقى على حاله، يرى أقرانه يبذلون ويرتقون، وهو يتحسر على نفسه.

 

سَلْ من ارتقى كيف ارتقى؟ ومن تقدم كيف تقدم؟ أتراهم وصلوا لذلك بالهروب من الصعاب والسلبية؟ فلن يقول قائل: ابتعدت عن الصعاب، واستسغت الكسل، بل جميعهم يقول: صبرتُ وصبرتُ، وجاهدت وجاهدت، حتى ارتقيت ووصلت؛ تذكَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((استَعِنْ بالله ولا تعجز)).

 

أما بالنسبة للزواج، فأرى لو تؤجِّل هذا قليلًا، حتى تكون هيَّأت نفسك جيدًا لهذه الخطوة، وهي ليست هينة، بل كبيرة جدًّا، وتحتاج إلى تأهيل وإرشاد زواجي، بداية من أُسس اختيار الزوجة، وما لها وما عليها من حقوق وواجبات، وكذلك حقوقك وواجباتك، وغيرها من الأمور المتعلقة بالزواج؛ حتى يكون زواجًا مباركًا ناجحًا.

 

وأخيرًا أوصيك بالدعاء واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى؛ ومن الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أذكار الصباح والمساء ولا غنى للمسلم عنها: ((يا حيُّ يا قيومُ، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكِلْني إلى نفسي طرفة عينٍ)).

متعلق:  فضحت معصية أخي عند أمي

 

والأدعية غير ذلك كثيرة، ردِّد منها ما شئتَ بيقينٍ، وأبْشِرْ بصلاح الحال، وأسأل الله أن يكون الجواب شافيًا كافيًا.




#أبي #جعلني #شخصية #ضعيفة

تعليقات الفيس بوك

Ads Blocker Image Powered by Code Help Pro

يُرجى السماح بعرض الإعلانات على موقعنا الإلكتروني.

يبدو أنك تستخدم أداة لحظر الإعلانات. نحن نعتمد على الإعلانات كمصدر تمويل لموقعنا الإلكتروني.